top of page
بحث

تقدير موقف: الانفجار الوشيك ومصير الضفة الغربية



كانت عودة بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم في إسرائيل هاجسا أردنيا متوقع الحدوث، وبعد نجاحه في الانتخابات وتشكيله لحكومة يمينية متشددة هي خليط من اليمين الديني واليمين القومي والبراغماتيين من قوى اليمين التقليدي "وعلى رأسهم نتنياهو" ارتقت الهواجس إلى مخاوف وقد صارت السلطة وصناعة القرار الإسرائيلي في يد تلك المجموعة اليمينية المتشددة التي تعبر عن مواقفها بقوة وتسعى إلى تحويل رؤيتها "الدينية والقومية" إلى سياسات مدعومة بتشريعات وقوانين لدولة إسرائيل.

في المقابل، تعاني السلطة الفلسطينية من أزمة وجود تولدت من صراعات داخلية بينية وشبهات فساد بالإضافة إلى الصراع الداخلي الفلسطيني – الفلسطيني مع حركة حماس، وباقي التيارات الإسلامية، وساهمت إسرائيل بإجراءاتها الأمنية الاحتلالية بزيادة منسوب القهر الفلسطيني في الداخل مما أدى إلى انزياحات "يمينية" لدى الفصائل السياسية وتبلور مجموعات مسلحة جديدة تنزاح بوضوح نحو اليمين الديني او تتحالف معه.

على الضفة الشرقية من النهر، حيث الدولة الأردنية بكامل مؤسساتها تعاني من حزمة أزمات داخلية أساسها "إقتصادي" وبتبعات سياسية عميقة مع شعور "حقيقي" بوجود استهداف إقليمي يمس العرش والنظام نفسه.


أولا: إسرائيل- تحولات الدولة في العمق


تتردد عبارة "إسرائيل لم تعد تلك التي أسسها بن غوريون" على لسان عديد من النخب الإسرائيلية في مقالات ودراسات متعددة.

وهذه عبارة إلى حد كبير صحيحة، لكن لا يعني ذلك أن "التحولات" في إسرائيل كانت وليدة زمن قصير، بل هي حاصل جمع تراكمات جعلت "المزاج العام" الإسرائيلي يذهب في الانتخابات إلى تأييد اليمين الإسرائيلي وهو يمين بأطياف متعددة ومتفاوتة، تشريحها وتشخيص التباينات فيها ضرورة لفهم التوجه الإسرائيلي الراهن:

- يمين ديني متطرف: وهذا تيار إقصائي أيدولوجي لا يعترف بحكم تركيبه العقائدي بأي حق فلسطيني في أي بقعة من أرض إسرائيل، وهي أرض تتجاوز مساحتها لدى هذا التيار "جغرافيا فلسطين التاريخية" إلى شرق النهر.

يؤمن هذا التيار بفكرة "الأرماغيدون"، او المعركة الأخيرة لنهاية التاريخ حسب الميثولوجيا الدينية. مع قناعة إيمانية راسخة بأفضلية الشعب اليهودي كشعب الله المختار.

تلك الرؤية الراسخة والعميقة عند هذا التيار تجعله لا يعترف – بالضرورة- مع أي مواثيق أو اتفاقات دولية، ويرى في تلك المواثيق والاتفاقات رؤية دونية لا ترتقي لرؤيته الدينية المقدسة لديه، ويعبر عن ذلك بوضوح وبدون أي دبلوماسية ولو بالحد الأدنى.

المفارقة ان هذا التيار يشكل الموازي الموضوعي او الوجه الآخر في المرآة لأيدولوجية "الدولة الإسلامية – داعش" وباقي تيارات السلفية الجهادية في العالم الإسلامي، وحضوره إلى السلطة يعطي شرعية شعبية من بعيد لتلك التيارات المتطرفة بحضور قادم في أي جغرافيا تتمكن منها.

وهذا التيار يتقاطع "أيدولوجيا" مع أحد أطياف الحزب الجهوري الأمريكي التي نشأت أيضا عبر عقود سابقة، وهو تيار "الإنجيليين الجدد" ومن يمثلهم في الحزب الجمهوري حاليا السيد "مايك بينس" والذي قد يكون مرشحا محتملا في الانتخابات الأمريكية القادمة.

- يمين قومي يهودي: وهو تيار علماني وطني " secular nationalist" يتمدد عبر قطاع واسع من المستوطنين، ووريث عصابات العنف المسلح التي نشأت في ظل الانتداب البريطاني، مثل الهاغاناة وشتيرن، ومن رموزهم القومية " مناحيم يغين" و" إسحاق شامير".

رؤية هذا التيار تسعى إلى تقوية إسرائيل عسكريا وتمكين الدولة لتكون قوة إقليمية مهيمنة "نموذج اسبارطة". وهو تيار يؤمن باستخدام العنف ورفعة مفهوم القومية اليهودية على باقي القوميات الأخرى. وقابل للتحالف مع اليمين الديني بما يحقق أهدافه.


- اليمين البراغماتي: وهو تيار يعتمد البراغماتية مع تبني الحد الأدنى من التنازلات السياسية كمراحل مؤقتة.

ويمثله بامتياز بنيامين نتنياهو وليبرمان.


وعلى يسار ذلك اليمين وابتداء من نقطة وسط تشمل تيارات "محتارة" أمام إحباط جماعي في إسرائيل من عدم الوصول إلى حلول منذ بدء "عملية السلام" مما شكل في المحصلة "تيار الوضع الراهن" والذي لا يرى إلا بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه إلى حين ظهور جديد ما في المشهد ومن العمق. ويمثل هذه الرؤية بوضوح سياسيون مثل بني غانتس.

وهناك تيار يسار الوسط الذي كان مجمل مقاعد أحزابه الممثلة له ٣٦ مقعدا في الكنيست.

اليسار التقليدي الذي كان يمثله بقوة في دولة إسرائيل حزب المعراخ "العمل" تقلص إلى حد حضوره ب٤ مقاعد فقط في الكنيست، وقد وصلت حالة الحرج لديهم بالانكفاء عن مطلب حل الدولتين أمام "جمهور إسرائيلي محبط" إلى المطالبة بحالة انفصال عن الفلسطينيين، اما حل الدولتين فلا يطالب به إلا حزب ميرتس وأحزاب قليلة حوله من اليسار الإسرائيلي.

في عمق الدولة الإسرائيلية ، استطاع المواطنون العرب في تلك الدولة من تشكيل حالة سياسية حاضرة في الكنيست، من خلال اليسار العربي الذي يطالب "مصلحيا" بالدولة الواحدة وصارت غايته السياسية تثبيت حقوق المواطنة المتساوية في دولة إسرائيل.

في الطرف البعيد المقابل لكل ذلك الطيف السياسي، هناك "الحركة الإسلامية" في القطاع العربي الشمالي من إسرائيل والذي يمثله "رائد صلاح" وهو قريب في أيدولوجيته من فكرة الدولة الإسلامية ودولة الخلافة وينتظر الفرصة التاريخية المناسبة ليعبر عن رؤيته بالعنف "المقدس"، مما يضعه في مقاربة و"بالتوازي" مع اليمين اليهودي المتطرف في إسرائيل.


ثانيا: السلطة الفلسطينية- انقلاب ديمقراطي وشيك


التركيب السياسي الفلسطيني متشابك إلى حد التعقيد في تركيباته الداخلية، لكن يمكن القول أن السلطة الفلسطينية هي الوريث الشرعي لمجمل منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا الإرث لا يشمل "الخطاب السياسي" للمنظمة بل شمل أيضا كوادر المنظمة ومعظمهم تاريخيا من قيادات الخارج، والذين أصبحوا فعليا قيادات السلطة الفلسطينية في رام الله.

لا تحتاج السلطة تصريحا إسرائيليا مفاده أنه "لا يوجد شريك فعلي للسلام عند الفلسطينيين"، فالسلطة فعليا لا تمارس أي إدارة لشؤون "مواطنيها" الذين فقدوا الأمل ووصلوا إلى مرحلة اليأس الكامل من أي انفراج أو حلم بدولة.

ومع الأخبار المتتابعة عن صحة محمود عباس الذي أنهكه المرض وكبر السن، صار الحديث مؤخرا يبرز على صيغة تساؤلات عن خليفة عباس في قيادة السلطة والمنظمة معا. والمرشحان الأساسيان هما حسين الشيخ و ماجد فرج، مع ترجيح متواصل لكفة حسين الشيخ المقرب من أجهزة الأمن الإسرائيلية.

لا تزال حماس تسيطر على كامل قطاع غزة، والتطور الجديد في الضفة الغربية هو تداعيات سياسة التضييق الإسرائيلية التي أنتجت ردة فعل بصيغة مقاومة مسلحة خصوصا في جنين ونابلس ضمن فصائل شبابية تتوالد من جديد وتميل إلى اليمين الديني الذي تمثله حماس والجهاد الإسلامي حتى لو كانت تلك الكوادر الشبابية منتسبة لفتح.

الأفق السياسي المسدود وتضييق العيش إلى الحد الأدنى من متطلبات الحقوق الإنسانية على مواطني الضفة الغربية مع عجز السلطة الكامل عن تحريك الساكن بل محاولتها تثبيت الوضع الراهن مرحليا إلى ما بعد محمود عباس أنتج حراكا سياسيا بدأ يظهر على السطح وينشط من خلال السياسي الفلسطيني والدبلوماسي الدولي ناصر القدوة، والذي بدأ منذ الصيف بقيادة تحرك سياسي "جامع" لكل النخب والفصائل الفلسطينية واجتمع في غزة مع قيادة حماس والجهاد الإسلامي وتواصل مع مروان البرغوثي في حبسه، وصارت زياراته البينية في مناطق الضفة الغربية وغزة مرصودة بشكل واضح خصوصا أن حركته تزداد اتساعا وصارت تشمل نخب سياسية من الصف الثاني والثالث من المنظمات والفصائل والعاملين في السلطة نفسها، وكثير منهم رافقه في زيارات غزة واجتماعات مكثفة ومغلقة في القاهرة.

حسب الراشح من مصادر داخل حراك القدوة فإن مصر ( المخابرات المصرية) تغض الطرف فيما يشبه الموافقة على مبادرته بقلب نظام السلطة "ديمقراطيا" ضمن آلية عمل دقيقة تعمل على تفكيك الحواجز المعقدة في النظام "السياسي" الفلسطيني بدءا من الفصائل وليس انتهاءا بضم "سياسي" لحركات المقاومة الإسلامية في غزة.

تيار الإصلاح الذي أسسه القيادي الفلسطيني محمد دحلان صار يقوده سمير المشهراوي، حيث أعلن دحلان في القاهرة عن انسحابه الشخصي من المشهد السياسي الفلسطيني وتفرغه الكامل كمستشار للشيخ محمد بن زايد في مشاريع إقليمية، وهو ما ترك هامشا أوسع من الحركة لمبادرة القدوة التي سينضم إليها تيار الإصلاح لتحقيق غاية إسقاط "نخبة القيادة الحالية" في السلطة الفلسطينية، وخلق بديل قيادي جديد من قيادات الداخل الفلسطيني والتركيز على نخب المجتمع المحلي.

هذا التحرك يحاول التواصل مع الأردن ورفع درجة التعاون فيه من المستوى الأمني "المخابرات" إلى مستوى سياسي مربوط بالقصر، ويتبنى التحرك كل الاحتمالات الممكنة والمقبولة أردنيا لأي صيغة تشاركية مع الدولة الأردنية.

الأردن لا يزال يتعامل مع المبادرة بحذر شديد.



المخاوف:

هناك حديث من أطراف إسرائيلية وفلسطينية من الداخل عن خطر انفجار وشيك وغير مسبوق لانتفاضة عنف في شهر رمضان القادم.

التسريبات من الطرفين توحي ان الحكومة "اليمينية" ستسعى إلى تفجير الوضع في مناطق الضفة الغربية ودفع الناس إلى الحافة القصوى من اليأس، مع تزامن في :

- ضراوة في التعامل الأمني حد استعمال الرصاص الحي.

- إسقاط السلطة واعتبارها غير قائمة.

- تطويق المناطق الفلسطينية بحصار عسكري، وإفلات القوة الأمنية الإسرائيلية في الداخل الفلسطيني.

- تسهيل حركة المرور "والهروب" نحو الضفة الشرقية.

في لقاء مع السيد عباس زكي في عمان بتاريخ ٨ يناير ٢٠٢٣، أكد أن قوى اليمين الديني المدعومة بالمطلق من الحكومة الأمنية. في إسرائيل تعتزم "بإعلان واضح " انتهاك حرم المسجد الأقصى في تاريخ محدد في رمضان القادم بطقوس يهودية تعلن يهودية الأماكن المقدسة للمسلمين في كامل القدس.


التوصيات:

- فتح قنوات خلفية بعيدة عن الالتزام الرسمي من الأردن مع:

- تيار إسرائيلي يتصاعد حضوره بعد فوز نتنياهو ويشمل سياسيين ونخب فكرية إسرائيلية تجد ان مصلحة إسرائيل في خطر تحت حكم الحكومة الحالية في تل أبيب.

- وفتح قناة تواصل خلفية "غير رسمية" مع مبادرة القدوة ونقل الرسائل منها وإليها.

- مواجهة الاستفزازات الإسرائيلية خصوصا في القدس بتحرك دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي.

- وكذلك التلويح بتوسع فكرة "الوصاية الهاشمية" من خلال العودة لقرار ٢٤٢ وظروف الواقع السياسي للضفة الغربية ما قبل السادس من حزيران، خصوصا أنها ورقة استخدمها المندوب الإسرائيلي نفسه باتهام الأردن كقوة احتلال للضفة الغربية عام ١٩٥٠.

- منظمة التحرير الفلسطينية لم تعد ممثلا "وحيدا" للشعب الفلسطيني، واعتماد هذه الصفة اليوم للسلطة خطر على الأمن الأردني والإقليمي وعلى مصير الضفة الغربية وسكانها.

- بدء التحذير الجدي وعبر كل القنوات السياسية والدبلوماسية من التهديدات الإسرائيلية في شهر رمضان الوشيك والقريب جدا.





١١ مشاهدة
bottom of page