top of page
بحث

التنافس القطري – الإماراتي.. الخلفيات والمآلات



من الضروري قبل البحث في التنافس بين الدوحة وأبو ظبي الذي يتحول إلى صراع معلن أو يختزل إلى تعاون حذر بين وقت وآخر الوقوف على واقع الجغرافيا السياسية والتكوينات الاجتماعية في كلا البلدين، وبعض المحطات التاريخية الأخرى التي شكلت التصورات المتبادلة.


الجغرافيا القطرية والإماراتية... الثبات في مواجهة السيولة


تشكل دولة قطر شبه جزيرة تقع في الجنوب الشرقي لشبه الجزيرة العربية، وتتصل معها من خلال جبهة جغرافية بطول 87 كيلومتراً، وتشكل الحدود مع المملكة العربية السعودية الحدود البرية الوحيدة لقطر.

هذه الجغرافيا التي يمكن فرزها بصورة متيسرة عن بقية مناطق الجزيرة العربية تركت أثرها في الشخصية القطرية، فمن ناحية أدى ذلك إلى نزوع في الشخصية القطرية تجاه الاستقلالية لوضوح الجغرافيا التي تحدد هويتها وفي الوقت نفسه تحدد الهوية المقابلة، أي تصور القطريين للآخر، فالجغرافية منحت هوية مبكرة للقطريين الذين ظهرت بلادهم في المدونات التاريخية القديمة بصورة واضحة، فلفظ قطارا أو كتارا يظهر في خرائط بطليموس في القرن الثاني قبل الميلاد، وربما شكلت قطر ملاذاً من الصراعات داخل الجزيرة العربية، أو بؤرة ثورية داخلها خاصة في مرحلة التحولات التي شهدتها حقبة ظهور الإسلام في الجزيرة العربية.

العامل الجغرافي يترك في القطريين رغبة في التعاون بينهم داخل الحدود الطبيعية غير القابلة للالتباس، ومع ذلك، لم يكن الأمر يجنبهم بالمطلق محاولات التوسع من شبه الجزيرة العربية بين وقت وآخر.

في المقابل، وقعت الإمارات القريبة التي تشكل فضاءً انتقالياً بين الساحل العُماني وتقاليده البحرية، وبين الجزيرة العربية وظروفها المناخية والطبيعية القاسية في حالة من السيولة الخاصة بحدودها وتصورها الذاتي، وكان طبيعياً أن تكتسب شخصية منفتحة ومتشككة في الوقت ذاته في قدر جغرافي وضعها في صراعات مستمرة، ولم تكن لتمتلك القدرة على التعامل معه من غير ذهنية متأهبة وقلقة أظهرتها الرؤية الاستعمارية في التسمية التي أطلقت على المنطقة إمارات الساحل المتصالح لتتم السيطرة من خلاله وداخله على حركة قرصنة اتهمتها الدول الغربية بإدارة أنشطتها وتشجيعها للتورية على المنافسة التجارية التي كانت تظهر في السيطرة على مسافات ممتدة من ضفتي الخليج العربي بعد السيطرة على بندر لنجة في منتصف القرن التاسع عشر.


تشكل الوعي الخليجي الذاتي


تأثرت منطقة الخليج العربي بالتوابع المباشرة وغير المباشرة لإنهيار الدولة العثمانية في مرحلة لاحقة لتراجع الطموحات الإقليمية لدولة محمد علي في مصر، وبالتزامن مع أزمات الدولة القجارية في ايران، ولذلك تأتت الفرصة لتتمكن القبائل المهيمنة في شبه الجزيرة العربية على الحيز الجغرافي الذي تشغله بنفوذها الذي تشكل في تلك المرحلة التأسيسية، وكانت الأطراف المستقرة والتي يمكن تحديدها بحيز جغرافي أو طبيعي واضح أكثر قدرة على الاستجابة لتلك المرحلة، من الكويت إلى عمان، وبقيت المشكلة في المناطق الداخلية للجزيرة العربية والتي استطاعت الدولة السعودية من خلال توسعها في العقد الثاني من القرن العشرين أن تحسمه لمصلحة تأسيس المملكة العربية السعودية التي أنهت حالة السيولة والصراع في الجزء الأوسع من أراضي شبه الجزيرة العربية.


الموقع الاستراتيجي من شبكات المواصلات العالمية أدى إلى ظهور الجزيرة العربية على خارطة الأولويات الخاصة بالدول الإستعمارية، إلا أن ذلك بقي مرتبطاً في الأطراف والموانئ، وخاصة عدن المطلة على بحر العرب، ولم تشكل حتى ذلك الوقت سوقاً مستهدفاً بالبضائع القادمة من المستعمرات الأخرى بسبب تواضع الكثافات السكانية، كما ولم تشكل نظراً للتباين الشديد في التكنولوجيا بين البريطانيين الذين تمكنوا من فرضوا نفوذهم على المنطقة وسكانها المحليين أي تحديات وجودية لموقع مستقر وقليل التكلفة في خارطة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.

بدأت الظروف تتغير في منطقة الخليج مع اكتشاف النفط في البحرين سنة 1932 ومن ثم التوسع في الاكتشافات النفطية على سواحل الخليج العربي، ليبدأ تفكير ذاتي جديد داخل الخليج يتطلع إلى أهداف لم تكن متواجدة من قبل مثل تأسيس شكل الدولة الحديث والعمل على تحسين الظروف المعيشية للسكان من جهة، ويحاور مجموعة من التهديدات الأخرى التي تمثلت في وجود قناعات متجددة داخل الإقليم لفرض النفوذ على مناطق الخليج العربي، وخاصة من الجارة ايران، وفي مرحلة لاحقة، وبصورة مفاجئة، شكلت لحظة التحول الدرامية في تاريخ الخليج العربي المعاصر، من الجارة العربية النفطية، العراق، وبينهما الصراع على أنماط الإدارة والتوجيه مع مصر الناصرية المتطلعة لقيادة المنطقة ضمن مشروع أوسع بين دول العالم الثالث في الخمسينيات والستينيات.


المحطات الأساسية في تطور الوعي الذاتي الخليجي

الأزمة الإيرانية البحرينية 1957


بعد قرار للبرلمان الإيراني بتبعية البحرين لإيران بوصفها المحافظة الرابعة عشر في البلاد، في إعلان واضح عن المطامع الإيرانية بالسيطرة على مياه الخليج من خلال منصة متقدمة تبعد عن الساحل العربي أقل من 25 كيلومتراً، بحيث يتحول معظم عرض الخليج إلى مياه إقليمية ايرانية.

استدعت هذه الأزمة التنبه إلى وجود طموحات إيرانية بالسيطرة على الثروة النفطية خاصة مع تواصل مشاريع استكشاف النفط في المنطقة، وفي الوقت نفسه، ومع التدخل المصري، نشوء ملامح عقيدة الوصاية على منطقة الخليج.


الأزمة العراقية الكويتية 1961


حصلت الكويت على الاستقلال من بريطانيا في مرحلة مبكرة قياساً بدول الخليج الأخرى، ولكن إعلان الاستقلال أتبعته مطالبة عراقية فورية بضم الكويت والتشكيك في الاتفاقية التي عقدت بين حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح والسلطات البريطانية، وهو ما كان يعني طعناً في مجمل الاتفاقيات التي وضعت في مختلف دول الخليج لترتيب السيادة على أراضيها والأمر الواقع الذي أنتجته العقود الأولى من القرن العشرين من تحولات فعلية على الأرض.

تطورت الأزمة إلى حدود الاشتباك العسكري بعد حشد المملكة العربية السعودية لمئات من جنودها في الكويت، واستدعاء قوات بريطانيا استجابت لاحقاً لطلب الجامعة العربية بالانسحاب لإتاحة التدخل لقوات عربية من الجمهورية العربية المتحدة والأردن والسودان بما يتضمن التأكيد على وجود قناعة بالأوضاع الخاصة بمنطقة الخليج والدول المتشكلة وفقاً للاتفاقيات التي تشكلت بين السلطات البريطانية والأنظمة المحلية الحاكمة في مناطق نفوذها.


الثورة الإسلامية في ايران 1979 وحرب الخليج الأولى


أتت فكرة تصدير الثورة لتعيد إلى الواجهة قضية المذهبية في منطقة الخليج العربي، وهي القضية التي بقيت في الخلفية الذهنية وعنصراً للتنوع الاجتماعي من غير أية آثار اجتماعية عميقة لفترة تقارب القرنين من الزمن بين تأسيس الحركة الوهابية التي ناصبت الممارسات الطقوسية لأصحاب المذهب الشيعي العداء، ومعها التأثيرات الصوفية المنتشرة في بعض أطراف الجزيرة العربية، وخاصة منطقة الحجاز، وفي هذه المرة كانت ايران تدفع بالعامل الديني في توجهها ناحية الخليج بوصفه ورقة جديدة في الصراع بعد انتهاء زمن الشاه الذي استندت مزاعمه في الوصاية أو السيادة على الخليج على أسس قومية تترتبط بمنطق القوة السائد.


ومع نشوب حرب الخليج الأولى تلقت العراق دعماً واسعاً من دول الخليج العربي، وحظي النظام العراقي بشعبية كبيرة في ظل تعبئة نفسية واسعة في المنطقة تركت آثاراً عميقة في ذهنية المنطقة بشعورها بتهديد وشيك كان من أسباب المسارعة إلى تشكيل مجلس التعاون الخليجي لينبني على أساسه تصور متماسك لفكرة الخليج العربي بوصفها فضاء اجتماعي / اقتصادي / سياسي / ثقافي متمايز عن بقية الدول العربية.

الغزو العراقي للكويت 1990 وحرب الخليج الثانية


خرج النظام البعثي في العراق بعد حربه الطويلة والمضنية مع إيران بشعور بالاستحقاق تجاه الدول الخليجية، وما لبثت المشكلات حول الآبار النفطية المشتركة مع دولة الكويت أن تطورت صيف 1990، إلا أن أكثر المتشائمين لم يكن يتوقع أن يستيقظ العالم على خبر غزو العراق لدولة الكويت فجر يوم 2 أغسطس 1990، وعلى الرغم من التفاصيل الكثيرة التي تحاوط عملية الغزو ونتائجه إلا أنه كان إيذاناً بانهيار مرحلة كاملة تواصلت في الستينيات والسبعينيات قامت على احترام سيادة دول الخليج مهما بلغت حدة التراشق، وواقع الحال، أن الدول الخليجية بقيت تقدم دعماً متواصلاً لمصر والدول العربية التي تأثرت بتوابع نكسة حزيران 1967 وكانت تعتبره جزءاً من المسؤولية القومية وتعزيزاً لفكرة الاعتراف الضمني بتقاسم الأدوار والأعباء ضمن المنظومة العربية، وهي الفكرة التي أصبحت مهددة بعمق بعد الغزو العراقي للكويت.


انهيار منظومة القيم العربية.. وماذا بعد؟


حملت القمة العربية التي انعقدت في بغداد أيار 1990 عنوان " التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي"، واتخذت خلالها الدول العربية جملة من القرارات التي سعت إلى بناء مواقف متماسكة في العديد من القضايا وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وكان واضحاً أن مجلس التعاون العربي الذي تشكل من العراق ومصر واليمن والأردن في شباط 1989 سيكون محوراً موازياً للمجلس الخليجي، وبين المحورين ظهرت العراق بوصفها الدول العربية المحورية المنتشية بنتائج حربها الطويلة والاستنزافية مع الجانب الإيراني، وكانت كل التفاصيل في القمة توحي بقبول ضمني بالمشروع القومي لصدام حسين بوصفه استكمالاً للمشروع الناصري، مع قبول خليجي أوسع نظراً لطبيعة إدراك العراق لطبيعة دول الخليج، واحتفاظها في جانب من تكوين السلطة في العراق بملامح مشتركة مع دول الخليج بما تحمله من توازنات قبلية.

الصدمة التي أتبعت الغزو العراقي لم تكن تتعلق بواقع التهام دولة عربية لدولة أخرى وحسب، ولكن في إسقاط فكرة التعايش والفهم للظروف الخليجية، والنظرة التي أبداها النظام العراقي تجاه حاجتها للحماية والمتطلبات التي فرضها العراقيون ضمنياً في البداية، وبعد ذلك بصورة معلنة تجاه دول الخليج، وأمام فشل المنظومة العربية في العمل على احتواء الأزمة في قمة القاهرة 1990، على الرغم من التواجد المصري والسوري ضمن التحالف الدولي لتحرير الكويت، دخلت قضية الأمن المتعلق بالوجود لتحرك مجموعة من الاستجابات المتباينة في دول الخليج.

واقع الأمر، أن أربعة من أصل ست دول في الخليج كانت وما زالت تعاني من مشكلات سكانية عميقة، فمجموع السكان في الإمارات والكويت وقطر والبحرين لم يكن يتجاوز 4.9 مليون نسمة سنة 1990 ولم يكن يزيد عدد مواطنوها عن مليون نسمة في تلك المرحلة، بينما يصل عدد سكان هذه الدول حالياً 18.2 مليون نسمة منهم ما يربو قليلاً على 3.5 مليون مواطن، وأمام هذا الواقع السكاني الذي يبدو متواضعاً أمام دول الجوار المباشرة وغير المباشرة، فإن الشعور بضرورة وجود استراتيجية أمنية يمكن التعويل عليها أصبح هاجساً خليجياً ملحاً بعد حرب الخليج الثانية.

بتضييق المنظور الذي يتماشى مع الغاية من قراءة التنافس القطري – الإماراتي فإن الثروة تشكل كلمة السر الإضافية، خاصة أنها تختلف عن الدخل المرتبط بالاحتياطيات القائمة والممكنة من ثروات النفط والغاز، فأي تهديد محتمل لا يقتصر على الوجود أو السيطرة على الموارد، وإنما على ثروات متراكمة تصل في مجموعها للبلدين إلى نحو 1.7 تريليون دولار أمريكي، بالإضافة إلى استثمارات هائلة في البنية التحتية والخدمات، وبنظرة تبسيطية فإن نصيب المواطنين القطريين والإماراتيين من الثروة القائمة في الصناديق السيادية يصل إلى 1.18 مليون دولار أمريكي للمواطن الواحد، بينما تصل حصة المواطن النرويجي من الصندوق السيادي للبلاد إلى نحو 370 ألف دولار.

مجموع المواطنين في دولتي قطر والإمارات حسب احصاءات 2008 يصل إلى 1.428 مليون نسمة، بما يعني أن الكتلة السكانية في الدولتين أقل من كتلة محافظة دمياط في مصر وهي الثامنة عشر من حيث الترتيب في مصر، ويقارب عدد سكان محافظة ذي قار السادسة في الترتيب على مستوى العراق، ومن هذا الواقع تبدأ مشكلة المنظور الذاتي للدولتين بوصفه المدخل المناسب لاستقراء مجموعة من الممارسات والسلوكيات السياسية التي أنتهجتاها خلال مرحلة ما بعد 1990.


الميراث


يمكن أن يوصف القرن التاسع عشر بحقبة المتاعب في قطر، فبين عامي 1848 – 1889 شهدت أربعة مراحل من الاضطرابات التي تدخلت خلالها قبائل أبو ظبي المجاورة، وسميت في الذاكرة القطرية بحوادث الخراب، على أن التدخل في الأوضاع القطرية أتى بوصفه قدراً لا يمكن تجنبه في مجتمع قبلي يتسم بدرجة عالية من السيولة والتشابك في العلاقات بين القبائل.

على الرغم من استحواذ على العائلات الحاكمة في كل من أبو ظبي وقطر على نصيب من الاستقرار في نهاية القرن التاسع عشر، إلا أن نقطة التحول الرئيسية التي يمكن تمثل نقطة التحول في تاريخ الجزيرة العربية تتمثل في تأسيس المملكة العربية السعودية، بل وفي مختلف فصول تأسيسها منذ الدولة السعودية الأولى التي استطاعت أن تفرض نفوذها على الأرض التي تتبع حالياً لقطر ودولة الإمارات العربية في الفترة من 1808 إلى 1816.

يمكن تقسيم هذه المنطقة إلى قسمين متقاطعين، الأول، نمط الحياة الجبلية في إمارات الفجيرة ورأس الخيمة وبما يحتفظ بشخصية متفردة تستطيع أن تحافظ على استقلاليتها أمام المخاطر التي تتعرض لها المناطق المفتوحة في أبو ظبي وقطر، وفي القسم الآخر، نمط الحياة على الكثبان الرملية المفتوحة في حالة أبو ظبي، والمغلقة في حالة قطر، حيث تتطلب المقاربات الاستراتيجية للدفاع عن هذه المناطق توجساً عالياً، وخاصة في الحالة القطرية، لوضعها الجغرافي، كشبه جزيرة، تتطلب تكلفة عالية للسيطرة على أراضيها، وفي الوقت نفسه، يسهل السيطرة على تفاعلاتها في المرحلة اللاحقة لحسم التواجد هناك.

منطق "العدو من أمامكم، والبحر من ورائكم" لم يكن التحدي الوحيد أمام قطر التي لا تمتلك مساحات للمناورة وترتيب الصفوف أثناء الأفعال العدائية، فالكتلة السكانية المتواضعة كانت تمثل تحدياً كبيراً، ومعظم حوادث الخراب التي حدثت في الدوحة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر كانت تنحصر في معارك بين مئات من المقاتلين في حدودها القصوى.

لم تتمكن إمارة بني حميد (الخوالد) 1669- 1796 من فرض واقع مغاير على التزاحم تجاه الموارد المحدودة، وقبلها إيالة الإحساء العثمانية، من العمل على وضع ترتيبات قابلة للاستدامة في المنطقة، فمن ناحية كانت الصراعات الداخلية بين القبائل المتوطنة تتصاعد وخاصة في قطر، بالإضافة إلى التهديدات الخارجية من القبائل المجاورة في الإحساء وأطراف نجد (العجمان – بني مرة – الهواجر)، وأتى التدخل البريطاني الذي وضع اتفاقيات الساحل المتصالح والاتفاقية البريطانية القطرية ليشكل حدوداً واضحة لتواجد كل من قطر والإمارات على الساحة، ويسهم في تشكيل الخارطة الأوسع لشبه الجزيرة العربية بعد انطلاق مشروع تأسيس المملكة العربية السعودية المتزامن مع هذه الاتفاقيات.

الفرق في التعامل مع تقدير المخاطر الاستراتيجية أتى ليحضر على مشارف إنهاء الاتفاقيات المنعقدة مع بريطانيا في مطلع السبعينيات، وكان التوجه الذي دشنه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان يعبر عن رؤية توحيد جميع المناطق التي لم تدخل في المشروع السعودي، وذلك لخلق كتلة صالحة للحياة والاستمرار بين السعودية من جهة، وسلطنة عمان من جهة أخرى، وكلا البلدين يمتلكان كتلاً سكانية وقبلية مؤثرة، وتعايش إمارة أبو ظبي تاريخياً مجموعة من الخلافات الحدودية معهما سواء حول واحة البريمي أو الأراضي المحاذية لخور العيديد فضلاً عن الخلاف حول حقل شيبة المتاخم للحدود الإماراتية - السعودية.

في المقابل لم تكن قطر المستندة إلى جغرافيا واضحة تستشعر نفس الضغوط وترى أن الاستقلال في دولة خارج مشروع الاتحاد الذي طرحه الشيخين زايد بن سلطان آل نهيان من أبوظبي، وسعيد بن راشد آل مكتوم من دبي، يحقق مصالحها الاستراتيجية بعيدة المدى، ويوفر عليها أن تنخرط في الصراعات المنظورة في مشروع اتحادي طموح بدرجة كبيرة تترافق معه العديد من التحديات في بيئة معقدة وغير واضحة المعالم بعد إنسحاب بريطاني الذي وضع المنطقة في صلب اهتمام العديد من الدول في العالم.

بجانب التباينات الاستراتيجية، بدا واضحاً ثمة تفاوت في تقدير القطريين لفكرة الإتحاد بشكل عام، ففي الوقت الذي كان يبدي حاكم قطر آنذاك الشيخ أحمد بن علي آل ثاني موقفاً متحفظاً تجاه الاتحاد، فإن ابن عمه وولي عهده الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني تبنى فكرة الاتحاد وقبل بفكرة رئاسة الوزراء، وبأبو ظبي عاصمة مؤقتة لمشروع الاتحاد.

يحمل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي ونائب رئيس الإمارات، قائد قوة دفاع دبي أثناء فترة التفاوض لإنشاء اتحاد الإمارات العربية سلوك المستشارين القانونيين واتجارهم بالمعلومات والشائعات، بالإضافة إلى دور المقيم السياسي البريطاني في البحرين ستيورات كرووفورد مسؤولية الخلافات التي أدت إلى ترجيح خروج كل من قطر والبحرين من مشروع الاتحاد.

ولا يمكن استبعاد العامل النفسي بين قطر وإمارة أبو ظبي والخلافات السابقة التي تطورت إلى نزاعات مسلحة من خلفية المشهد، خاصة أن ظهور الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كان حديثاً نسبياً على المشهد، بينما كانت خلافات عميقة تحكم العلاقة بين حاكم قطر أحمد بن علي آل ثاني وابن عمه، وولي عهده الشيخ خليفة بن حمد، أدت إلى وصول الأخير إلى موقع الحاكم سنة 1972.


ما بعد التأسيس.. سنوات تلمس الطريق


تمكنت دولة الكويت من استثمار استقلالها المبكر نسبياً في منطقة الخليج مع مطلع الستينيات لإحداث نهضة واضحة مقارنة ببقية الإمارات القائمة في المنطقة، وكانت الكويت تقدم الدعم لهذه الإمارات وخاصة في مجال التعليم، حيث شهدت إمارة الشارقة افتتاح أول مدرسة نظامية سنة 1953، وكانت قطر سبقت في مباشرة التعليم النظامي في العام السابق.

وعملت الكويت على قيادة الكتلة الخليجية (باستثناء السعودية) في محيطها العربي، وتأسست المنابر الإعلامية الكويتية التي حصدت بعض التأثير في المنطقة، وتمكنت من إثبات تواجدها على الساحة العربية، ويمكن وصف السنوات الأولى لمرحلة ما بعد الاستقلال في السبعينيات بتلمس الطريق بين مجموعة من الفاعلين السياسيين:

- ايران الشاه وطموحاته الإمبراطورية وابتزازه تجاه السيطرة مستنداً على الدور الذي يقوم به لمضايقة السوفييت.

- مصر السادات المنتشية بانتصار أكتوبر والتي تطلب تعويضات عربية كبيرة لإعادة البناء.

- البعثيين في سوريا والعراق وطموحاتهم لقيادة القومية العربية بعد رحيل جمال عبد الناصر.

ينضاف إلى ذلك، الحدود الموضوعة أمريكياً من أجل ابقاء المنطقة بعيدة عن أية تيارات تغير من بنيتها القائمة أو تدفعها إلى الفوضى بما يجعلها منطقة مفتوحة أمام احتمالات غير مقبولة أمريكياً، بجانب تأثيرات القوى الخليجية الأخرى التي تستشعر الأحقية في قيادة المنطقة وتحديداً السعودية، وبدرجة أقل عمان، والسيولة السياسية في اليمن بجنوبه الذي احتضن حركة يسارية طموحة، وشماله الغارق في الصراعات القبلية.

وفي الداخل كان عامل الزخم السكاني قائماً ومقلقاً، فسكان الإمارات بمن فيهم الأجانب تجاوزوا المليون للمرة الأولى سنة 1980، وكان سكان قطر بمن فيهم الأجانب أيضاً، في حدود 224 ألف نسمة، ويمكن القول أن العقد التالي الذي شهد تزايداً سكانياً مطرداً لم يكن يعبر سوى عن زيادة الأجانب في البلاد مع ازدهار اقتصادي متواصل تقريباً لم تقطعه سوى فترات قليلة من تراجع أسعار النفط.


كانت متطلبات البنية التحتية تستهلك معظم الموارد في المنطقة، وتستحوذ على اهتمام حكامها، بمعنى تحولها إلى بؤرة تمتص الأموال وتترجمها إلى مدارس ومستشفيات وطرقات ومطارات وموانئ، ولذلك لم يكن متوقعاً للخليج أن يؤدي أدواراً للخارج، بعنى الانفلاش تجاه التأثير السياسي.

في الثمانينيات أخذت تتشكل الهوية المستقلة لدول الخليج العربية، فلم يعد الحديث عن إمارات أو مشيخات تقع في منطقة الخليج، بقدر ما أصبح الحديث عن دول تقوم على أرضية من المؤسسات وتحمل وجهات نظر مستقلة.

إلا أن ذلك كان يحمل أيضاً ظهوراً لمدينة طموحة استطاعت أن تمتلك شخصية مستقلة في دبي التي توجهت لأن تكون مركزاً تجارياً إقليمياً، وأتى تأسيس برج راشد وافتتاحه سنة 1979 (وهو البرج الذي أصبح متواضعاً قياساً بأبراج دبي التي لحقته) ليضع دبي على خارطة التجارة العالمية، ويقدمها بوصفها مدينة عصرية.

بالتزامن مع ذلك، كان الشارع الإيراني يغلي ضد حكم الشاه محمد رضا بهلوي، ومع هبوط طائرة المرجع الديني آية الله خميني دخلت المنطقة فصلاً جديداً من تاريخها، فالصراع لم يعد برجماتياً يقوم على إدعاءات إيرانية متغطرسة وتحول إلى أيديولوجيا معلبة للتصدير.

أتت الحرب العراقية – الإيرانية لتشكل الدفعة الأولى من أسئلة الخليج التي كانت بدأت مع السادات ورغبته في تحمل دول الخليج نصيباً ثقيلاً في تكلفة ما بعد الحرب في مصر، لتقديره أن للحرب دوراً في الارتفاع الكبير لأسعار النفط الذي تلاها، ومع ذلك، واصلت دول الخليج دعم العراق في حربه التي جعلت من العراقيين حراساً للبوابة الشرقية.

تمكنت العراق وحلفاؤها من تحييد الخطر الإيراني، إلا أن فاتورة الحساب العراقية حملت تكلفة باهظة وضعت للتفاوض لمرحلة وجيزة قبل أن يتخذ صدام حسين قراره بغزو الكويت فجر يوم الثاني من آب/ أغسطس 1990، وخلال أيام تصاعدت المخاوف من مواصلة صدام حسين لمغامرته تجاه بقية دول الخليج التي بدأت تبحث عن غطاء فعلي حقيقي.

الحديث عن تعامل عربي مع الأزمة كان يحمل شيئاً من الصدقية من غير أن يتخطى الأمنيات الطيبة، فالجيش العراقي مطلع التسعينيات كان مختلفاً عن جيش عبد الكريم قاسم الذي قامت قوات عربية مشتركة ومعها تلويح بريطاني بالتدخل بتحييده أثناء محاولته لضم الكويت، والعراق يملك ترسانة صاروخية، وفي الحد الأدنى، أسلحة كيماوية استخدمت ضد مدينة حلبجة الكردية.

بقيت الولايات المتحدة الأمريكية تقدم حماية ضمنية لدول الخليج العربي، وأتت حرب الخليج لتكون فرصة لإثبات الالتزام الأمريكي بضمان سلامة هذه الدول، وبالفعل تحركت القوات الأمريكية للخليج وتصاعدت الحرب الإعلامية حول هذه المشاركة.


قطر الانتقال إلى الواقعية الإيجابية


أحدثت الصدمة والاختبار المفاجئ الذي حمله الغزو العراقي للكويت ردةً خليجية عن أية قناعات قومية، فالقوى الإقليمية ستحمل دائماً نوايا توسعية تجاهها تتضمن مخاطر وجودية، وستبقى مسكونة بتصورات سابقة حول هشاشة بنيتها، والأمريكيون بدورهم سيطلبون ثمناً باهظاً بصورة مباشرة أو من خلال امتيازات غير مباشرة ولكن سيبقى ذلك من غير مساس بالبنى القائمة في الخليج وخاصة السكانية والثقافية.

على الرغم من عدم تعرضها لتهديدات عراقية صاروخية، بقيت قطر الأكثر توجساً تجاه الصراع الإقليمي، ففي هذه المرحلة كان حقل الشمال الذي يمتد بين المياه الإقليمية القطرية والإيرانية يشكل عاملاً مستجداً وبالغ الأهمية في تقديرات قطر الاستراتيجية والأمنية، ولذلك عقدت قطر اتفاقيات لإقامة قواعد عسكرية أمريكية على أراضيها.

في المقابل، بدأت البؤرة الخليجية الموجهة للبنية التحتية وتنظيم المجتمع في شروط الدولة، تتسع إلى الخارج، وكان واضحاً أن الكويت خرجت من قناعات التأثير لفترة من الزمن، ولم تعد معنية بأداء أدوار أوسع في الفضاء العربي، بينما كانت المملكة العربية السعودية، من خلال منصاتها الإعلامية تتخذ مواقفاً امتصاصية بحيث أتاحت الفرصة لمثقفي المراكز التقليدية في صحفها ومجلاتها الصادرة في لندن.

كانت قطر تعيش مرحلة انتقالية بين عقليتين، الأمير خليفة بن حمد آل ثاني، ونجله وولي عهده حمد بن خليفة، وبعد عامين من المفاوضات لتغيير النهج الذي اتبعه الأمير خليفة تجاه مزيد من الانفتاح والتوجه لاستثمار الغاز في قطر، أتت لحظة التغيير في صيف 1995، وبدأت الخطة الطموحة للأمير الجديد لتوظيف الغاز في تحقيق قفزة قطرية جديدة.

وقبيل نهاية سنة 1996 أطلقت قطر قناة الجزيرة من الدوحة، وبدى واضحاً من أدائها أنها تخرج من التقاليد السابقة ذات النزعة الامتصاصية تجاه التأثير، وبموازاة ذلك، دخلت قطر في مرحلة جديدة من تأهيل البنية التحتية ومحاولة الحضور بصورة تنافسية في الخليج.


مجريات الأحداث في قطر كانت تمثل انتقالاً من الواقعية الكلاسيكية التي تتمثل في أولوية البقاء والاستمرار في عهد الأمير خليفة بن حمد، إلى الواقعية الإيجابية التي تجاوزت الواقعية الدفاعية ولكنها لم تصل إلى الواقعية العدوانية، إلا في بعض التقديرات التي ترى أن خروج قطر عن التقاليد الامتصاصية في الخليج يشكل في حد ذاته فعلاً غير اعتيادي ضمن هذه المنظومة.


من المرجح أن الميول القطرية لتطبيق نمط عدواني / هجومي من الواقعية مضى إلى التوازن مع صعود الشيخ تميم بن حمد أميراً للبلاد، ففي سنة 2013 كان التوتر في مواجهة قطر متصاعداً على خلفية ارتدادات الربيع العربي، وكانت الحاجة إلى مزيد من الديناميكية قائمة في الدوحة، مع وجود قدرة أكبر على التواصل المباشر بين الدوحة وشركائها ومنافسيها.


الإمارات.. لحظة التحول


في المقابل، كانت الإمارات العربية تعايش فكرة الشيخ زايد بن سلطان بوصفه وبصورة شخصية الأب المؤسس Father of The Nation للدولة الإتحادية، وهو أمر مختلف نسبياً عن الشيخ القوي الممسك بزمام الأمور في إمارة أبو ظبي الثرية، وكان الشيخ زايد مقتنعاً بأن بقاء الإمارات بوضعها الذي سعى إلى تأسيسه يعتبر الأولوية الأساسية، ولذلك كان يسعى إلى فكرة تقاسم الأدوار، فالاتحاد بالنسبة للشيخ زايد كان يشكل الدافع للقبول بتقاسم الأدوار الذي يتيح للإمارات المنضوية تحته أن تعمل على تنمية داخلية بجانب ما تقدمه البنية الاتحادية من مساندة، وكانت حالة دبي وأبو ظبي القائمة نموذجاً واضحاً لهذه الذهنية، حيث كانت دبي تؤدي دور العاصمة الاقتصادية الصاعدة، مع بقاء أبو ظبي العاصمة السياسية المؤثرة وصاحبة الكلمة في ملفات العلاقات الخارجية والترتيبات الاتحادية.

على مستوى العلاقات العربية بقي الشيخ زايد محتفظاً بنفس رؤاه السابقة، وفي شهر أذار/ مارس 2003 أعلن عن مبادرته لتسوية الأزمة العراقية أثناء القمة العربية في شرم الشيخ، بعد وجود إشارات إيجابية من قبل الرئيس صدام حسين، وموافقة أمريكية مبدئية، ويمكن أن اجهاض هذه المبادرة في اجتماع القمة العربية بحجة أنها افتقدت التحضير الكافي وفقاً لعمرو موسى، أمين عام الجامعة، دفع بدولة الإمارات إلى إعادة التفكير في مقاربتها للشؤون العربية، فالغضب الإماراتي كان واضحاً في حديث الشيخ عبد الله بن زايد وزير الإعلام والثقافة على هامش القمة، وكذلك في حديث شقيقه، الشيخ محمد بن زايد، والذي لم يكتم على الرغم من هدوئه الاستياء من طريقة التعامل مع المبادرة في أروقة الجامعة العربية، فما حدث يمكن وصفه بالجرح أو الشرخ، ولا سيما أن الشيخ زايد كان يعاني في تلك الفترة من متاعب صحية تحامل عليها من أجل الدفع بهذه المبادرة قدماً مع العراقيين والأمريكيين.


التنس على رمال ساخنة

المرونة في اتخاذ القرار والفوائض المالية دفعتا دبي والدوحة إلى التنافس من أجل بناء قوة ناعمة صاعدة جديدة، وبصورة متزامنة انطلقت بطولتا دبي والدوحة للتنس واستقطبتا مجموعة من اللاعبين المشاهير على الرغم من عدم وجود تاريخ لهذه الرياضة في البلدين، ولكن ذلك لم يكن أرضاً وحيدة للتنافس، فالموانئ أصبحت أيضاً على خارطة المشهد وتصاعدت هذه المنافسة لتكون محركاً للسياسة الخارجية لكلا البلدين.

لطالما اعتبر ميناء جبل علي في دبي منجزاً إماراتياً مهماً في مجال تعزيز مكانة الإمارات، وخاصة دبي التجارية، وبالنظر للوفورات الكبيرة التي تحققت من عوائد النفط وصبت في الصناديق السيادية بين قطر والإمارات بدأت المنافسة على صعيد الموانئ تتصاعد، وبينما كانت الإمارات تسعى إلى العمل على بناء طريق حرير بحري من بريسبان في استراليا إلى كاياو في بيرو، سعت قطر إلى التعاون مع مصر بعد الثورة، وبناء على علاقتها الجيدة مع نظام الإخوان المسلمين لبناء قاعدة لوجيستية شاملة في قناة السويس، وتعددت فصول التنافس بعد أن بدأت قطر السعي إلى عقود لتشغيل موانئ في باكستان والسودان وعمان.

حرب الموانئ أتت بوصفها جزء من تمثيل اللعبة الصفرية بين الجارتين، فما تجنيه الإمارات تخسره قطر، والأمر بالمثل في الناحية الأخرى، لدرجة أن مناطق التزاحم أصبحت متعددة من الإعلام إلى الاستحواذ على أندية كرة القدم والعقارات الأوروبية والجوائز الثقافية العربية.

سياسة الواقعية الإيجابية القطرية دفعت الإمارات إلى سياسة مماثلة، تقوم على الاحتواء للطرف القطري الذي استطاع بعد سنة 1995 أن يبدأ قفزات متعددة بدت مختلفة عن الايقاع الاعتيادي (الإسنادي – الإمتصاصي) لدول الخليج الأخرى، وكان سعي قطر لاستضافة كأس العالم 2022 خطوة غير مفهومة وفقاً للمزاج الخليجي العام، إلا أنه تحول إلى حقيقة خلال سنوات وظفت قطر خلالها ما يزيد عن 200 مليار دولار أمريكي في تأسيس البنية التحتية اللائقة لمشروعها الكبير.

بين الإعلان عن فوز قطر بتنظيم بطولة كأس العالم سنة 2010 وافتتاح البطولة في تشرين ثاني/ نوفمبر 2022 تصاعدت حدة المنافسة والخلافات بين الإمارات وقطر لتصل إلى قطيعة كامل تمثلت فيما وصف بالحصار الرباعي من السعودية والإمارات ومصر والبحرين تجاه القطريين، والذي تواصل من حزيران/ يونيو 1917 إلى كانون ثاني/ يناير 2021 لتطوى أوراقه مع قمة العلا.

وبينما تشير تخمينات إلى أن الموقف القطري الذي أبدى ايجابية تجاه الانفتاح من جديد على الخليج أتى في ظل معطيات مرتبطة بإنجاح تنظيم كأس العالم والحاجة لوجود عمق لوجيستي لدى دول الجوار، وتخمينات مقابلة أن رحيل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أدى إلى تراجع عن الشروط الخليجية التي وضعت تجاه قطر، فإن الزيارة الأخيرة للرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد إلى قطر في الخامس من ديسمبر 2002 وأثناء كأس العالم تأتي لتلقي بأطياف التفاؤل على إعادة توظيف التنافس بين البلدين بصورة تكاملية.


لماذا يجب التكامل؟


تفاعلت العديد من العوامل والمستجدات على خارطة المنطقة تحتم ضرورة مراجعة العلاقات البينية، والمنظومة الجامعة المتمثلة في مجلس التعاون الخليجي، ومن أهم هذه العوامل:

1. السلوك الروسي في الحرب على أوكرانيا، وما يضعه من شكوك حول صلاحية معادلات التوازن الدولي التي أخذت تميل إلى التسكين والتهدئة بعد سقوط جدار برلين.

2. التوتر بين الولايات المتحدة والصين بما يعيد من أهمية استراتيجية لإيران ودول آسيا الوسطى مقارنة بالخليج العربي.

3. صعود نزعات اليمين في أوروبا، وما أظهرته من احتكاكات مع المنظومات القيمية في المنطقة العربية، وخاصة منطقة الخليج.

4. التفاعلات والتسويات حول غاز شرق المتوسط، الأمر الذي يدخل في إعادة ترتيبات خارطة الطاقة العالمية.

5. التحولات الجذرية على المستوى الاجتماعي التي بدأت في المملكة العربية السعودية.


وعلى ذلك، فإن مجموعة من الخطوات تطرح نفسها بقوة على أبو ظبي والدوحة، لتعبيرهما عن المراكز الجديدة التي استطاعت أن تستقطب مسارات التأثير في المنطقة خلفاً للمراكز القديمة في القاهرة ودمشق وبغداد، وتتمثل الأولويات في النقاط التالية:

1. إعادة تعويم الدول العربية الغارقة في المشكلات والنزاعات، ابتداء من العراق وسوريا، وفي مرحلة لاحقة ليبيا والسودان تجاه استعادة الشكل المعقول من التفاهم العربي الذي شهدته السنوات الأخيرة من الثمانينيات.

2. التكامل في مسألة الاستثمارات بديلاً عن التنافس التقليدي الذي تنعكس آثاره على الدول الأخرى ويحول دون تحقيق العائد الأقصى للاستثمارات الخليجية.

3. تعزيز الأمن في المنطقة لتمكينها من أداء دورها بوصفها عقدة لوجيستية وتجارية متكاملة.

4. تنويع الخيارات الاستراتيجية في مرحلة ما بعد القطب الواحد والتحول إلى عالم متعدد الأقطاب.

5. النظر بجدية في تحديات المناخ والمياه والسكان في المنطقة.


بعد فصول التنافس الطويلة التي بدأت بالتزامن مع الانتقال من المجتمعات القبلية إلى نوى الدول المستقلة، والتحديات والاستجابات لتطورات الإقليم ومفاجآته، يمكن أن الوصول إلى مسار تصحيحي في التنافس القطري – الإماراتي تجاه التعاون والتكامل سيمثل خطوة هائلة ينبني عليها مجموعة من الحلقات الاستراتيجية تبدأ من مجلس التعاون الخليجي لاستئناف مشاريع مثل الوحدة النقدية، ومن خلال ذلك تنبني مجموعة من الاصطفافات الطبيعية عربياً وإقليمياً لمواجهة التحديات المقبلة على المستوى العالمي.












١٥ مشاهدة
bottom of page